والعلماء الدعاة وحدهم هم القادرون على حسم هذه الفوضى العارمة، ورسم المسار الصحيح، فهم الصمّام الحقيقي للأمة، لذا فمن سُنة الله -سبحانه وتعالى- ألا يخلو عصـر من الأعصار ولا مصـر من الأمصار من العلماء الصالحين المصلحين، ولن يجد النّاس صعوبةً في الاهتداء إليهم، لأنّ الله سبحانه وتعالى قد خصّهم بكثير من الصفات التي كان يمتاز بـها الهداة المهديون من أئمة هذا الدين. والذي يثير الدهشة أن أثر هذا الزلزال العظيم -هدم الخلافة- أخذ يخِفّ تدريجيًّا، ولم يجد المتجبّرون صعوبةً بالغةً في شراء ضمائر بعض المنتسبين إلى العلم بأبخس الأثمان، ولهذا بدأنا نسمع من هؤلاء الذين طلبوا رضى السلطان بسخط الله منكرات لا حصر لها. يتحدّث الانتهازيون المرتزقة عن مرجعية أهل السُّنة، ونجيبكم: نعم، نحن نريد هذه المرجعية التي تضم كبار العلماء العاملين المستقلين الذين يمتثلون عقيدة أهل السُّنة والجماعة في كلّ موقف من المواقف، ولا يقبلون من ظالم أن يفرض أوامره وتعليماته عليهم. إننا نريد هذه المرجعية لتنقذنا من نفاق المنافقين، ومن هذه البلبلة التي يثيرونها، مرجعيةً تذكّرنا بمواقف: أبي حنيفة، وابن حنبل، والنووي، وابن تيمية، وغيرهم من هذه الكوكبة الطاهرة الخيّرة. نعم، إننا نريد مرجعيةً تشمل العلماء الذين رزقهم الله سبحانه وتعالى القدرة على فهم مشكلات الأمة الإسلامية، كما رزقهم الاستقامة والبُعد عن مواطن الشبهات، ولهم جهود مشكورة في بيان الدواء الشافي لعلل أمتنا، ومهما فعل الظالمون فلن يستطيعوا حجب الشمس. النقد ظاهرة صحية بين المسلمين إذا التزم الناقد بالآداب الشرعية، وابتعد عن كل فحش وتجريح، وتجنب تتبع عورات إخوانه المسلمين ومشكلاتهم الخاصة، ومن زعم أنه فوق مستوى النقد فقد ادّعى لنفسه العصمة، ولا معصوم إلا من عصمه الله تعالى، ومن لم يكن معصومًا لا بدّ من وقوعه في الخطأ، والخطأ يجب أن يقوَّم. لقد وُجدت الثورة الخمينية لتمزّق العالم الإسلامي، ولتعيد إلى الأذهان المؤامرات التي كان يحيكها ابن سبأ، والطوسي، وابن العلقمي، وميمون القدّاح، ولن تألو جهدًا في محاولة احتلال العراق ومن بعده دول الخليج وشبه الجزيرة العربية، ولن تدّخر وسعًا في تجنيد الشيعة في كلّ مكان من أجل تحقيق أهدافها الإجرامية التوسعية، ولسوف تمضي في تعاونها مع كلّ عدو للإسلام. وآمنت بأن المسؤولية فردية عند الله سبحانه وتعالى، ولن ينفع الداعية في قبره أو يوم الحشر: كثرة جماعته، ولا حسن أسلوبه وقدرته على الإقناع، ولا أقوال زعمائه الذين كان يتبعهم في كل ما يقولون ويفعلون... وربما كانت هذه الأمور كلها وبالاً عليه إذا كانت نيته ليست خالصةً لوجه الله تعالى.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
في يوم الجمعة ١١ صفر ١٤٣٨هـ الموافق ١١ نوفمبر ٢٠١٦م ودع العالم الاسلامي علماً من أعلام العصر الحديث، الداعية الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين، حيث وافته المنية بمدينة الدوحة عن عمر يناهز الـ ٧٨ عاماً، قضاها في العلم والعمل والدعوة والإصلاح تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه فسيح جناته.

توافدت حشود المشيعين من كل مكان، وأقيمت مجالس العزاء في عدة دول، وتوالت التعازي من جميع الجهات وعلى شتى المستويات، ليس حباً ووفاءً للشيخ فحسب، بل تعبيراً كذلك عن مكانة النهج الذي انتهجه، والقيم والمبادىء التي تمسك بها الشيخ رحمه الله ودعا إليها، في نفوس الجميع.

بكته قلوب الأمة الإسلامية قبل عيونها، وهي تدرك المعنى المأثور عن ابن عباس ومجاهد في الآية الكريمة ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ﴾ بأنه موت العلماء والفقهاء. وأن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال ولكن بقبض العلماء.

ورابطة علماء المسلمين إذ تنعي الفقيد الراحل تدعو الله تعالى أن يتقبله في الأئمة الصالحين و أن يرفع مقامه في عليين ، وأن يربط على قلوب أهله و محبيه وطلبته أجمعين.
ونسأل الله أن يعوض الأمة في فقده خيراً إنه جواد كريم، وتذكر له مواقفه المشهورة والتصدي للمد الصفوي قبل نحو أربعين سنة  وردوده على أهل الأهواء والغلو، وانتصاره لنهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، وجهاده بالكلمة الصادقة النافعة ودعوته لجمع كلمة أهل السنة والجماعة وإثراءه المكتبة الإسلامية بمؤلفاته الأصيلة النافعة.

وفقيدنا الغالي غني عن التعريف، فقد بلغت شهرته الآفاق، وترك اسمه علماً بارزاً في سجل الفكر والدعوة والتاريخ الإسلامي، فقد جمعت كتاباته بين الوعي والعمق والتحقيق والدقة، وكان رحمه الله من أوائل من حذر الأمة من الخطر الصفوي الرافضي الباطني، وله في ذلك كتب عدة منها (وجاء دور المجوس)، وكان آخر ما نشره رحمه الله جزئين من مذكراته التي أرخ فيهما لحقبة مهمة من تاريخ سوريا والمنطقة العربية عموما، نرجو من الله أن يعين أبناءه البررة وإخوانه الكرام على إتمام نشرها لتعم بها الفائدة وتستفيد منها الناشئة والأجيال.